المؤلف

الملخص

الحمد لله الذی علم القرآن خلق الإنسان علمه البیان ، والحمد لله الذی علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم یعلم ، سبحانه هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذی أنزل على عبده الکتاب ولم یجعل له عوجا ، والصلاة والسلام على سیدنا محمد نبیه ورسوله وعبده الذی اصطفاه وأنزل علیه خیر الکتب فکان خیر الرسل ، حفظه من أعدائه وحفظ کتابه من التحریف والتبدیل . وبعد : فان من أجل نعم الله على الإنسان أن یمنحه موهبة التفقه فی الدین ، ویدله على مسالک ذلک التفقه ، لیلهمه الرشد فیما یقول وفیما یفعل ، إذ قال الرسول محمد صلى الله علیه وسلم : ( من یرد الله به خیرا یفقهه فی الدین ویلهمه رشده )( 1 ) . وقد تعددت الطرائق ، واختلفت السبل فی الوصول إلى فهم الأحکام التی جاءت بها شریعة الإسلام ، إلا أن جمیع تلک الطرائق تعود فی تفصیلها وبیانها إلى اللغة التی نزل بها کتاب الله ، ووردت بها سنة رسوله علیه الصلاة والسلام ، تلک هی لغة العرب التی أودع الله فیها من الأسرار البیانیة ما جعلها تفی بکل ما یستجد من أمور فی حیاة المسلمین . وهذا هو الذی حدا بالمسلمین ـ منذ العصور الإسلامیة الأولى ـ إلى الاهتمام بهذه اللغة ، وللوقوف على مکنوناتها وخفایاها ، فشمروا عن ساعد الجد ، وبذلوا للعنایة بها قصارى جهدهم ، ولاسیما أیام أن شعروا بأن الخطر یهدد کیانها بعد أن دخل فی الإسلام من هم من غیر العرب ، فانتشر اللحن بین أبنائهم وباتت اللکنة اللسانیة تنذر بضیاع فصاحتهم وبلاغتهم . وقد استمرت الجهود فی الحفاظ على العربیة مع تعاقب الأزمان ، وبرز طوال القرون التی مرت أفذاذ من العلماء استغرقوا حیاتهم کلها بالبحث والتدقیق فی مسائل هذه اللغة ، والخوض فی فنونها وآدابها، فکان کل واحد منهم یقدم خدمته لها من خلال ما یلقی الله فی روعه من تلک الآداب والفنون ، فأظهروا للناس لطائفها ، وبینوا جمالها ، ووضحوا رونقها وبهاءها . ومن ذلک ارتباط معنى القراءة القرآنیة باللغة العربیة الذی بدوره تبنى علیه الأحکام الشرعیة ، وهذا الذی حدا بی إلى أن أختار موضوعا یشتمل على القراءة واللغة والتفسیر، فاستعنت بالله واختــرت موضوع: ( أثر القراءات القرآنیة فی توجیه المعنى التفسیری ) لأن اللغة والقراءات تشترکان مع الشریعة فی بعض القواعد العامة التی فرع علیها الفقهاء کثیرا من الأحکام.